القائمة الرئيسية

الصفحات

جزء من رواية قادمة / للروائية : سعدية بلگارح


 


...

كنتُ رئيس الوحدة الطبية الأولى

 التي امتثلتْ لنداء الاستغاثة الإنسانية، إثر تفاقم الوضع الصحي المزري، في مخيمٍ صغير للاجئين، في منطقة تقع  على خط  ديورند، الفاصل بين أفغانستان وباكستان جنوبا..

كما كنت العربي الوحيد بين كوكبة من أطر وكوادر أسيوية مختلفة الروافد.

-دكتور.. دكتور

شدتني دعة النداء وهدوؤه المفرط.. أحسبها طفلة تريد فقط التحية،  كما يفعل معظم أطفال المخيم حين يرونني.. التفتتُ رافعا يدي وعلى وجهي ابتسامة، دون نية التوقف. كانت هي.. ترسم على وجهها ابتسامة خفرة. تتقدم نحوي بعزم جميل.

استجبت دون تردد.. قد يكون الأمر أكثر أهمية.

-أهلا، هل من مساعدة؟

-دكتور، هناك سيدة حامل في وضع حرج.

كانت تتحدث والدمع يكاد ينز من عينيها.. بدأ صوتها يرتعش.

-هيا بسرعة خذيني إليها.

أسرعتِ الخطو أمامي وهي تبتهل بالدعاء والشكر.

قادتني إلى خيمة صغيرة، في  أقصى المخيم. طلبت مني التريث ودخلت بسرعة لتخبر من في الداخل بقدومي. ثم دلتني على السيدة. كانت مثل معظم السيدات في المخيم، تضع برقعا على وجهها، حيث يصعب الكشف حين يتطلب الوضع ذلك.. المرأة حامل.. كانت مرافِقتي هي من تشرح عنها الوضع ولها أيضا.

قستُ ضغطها، كان منخفضا جدا. طلبتُ نقلها إلى الخيمة الطبية في وسط المخيم.. يبدو أنها لا تستطيع المشي .. أخشى أن تحتاج إلى عملية قيصيرية مستعجلة..

طلبتُ جلب ناقلة على وجه السرعة.. استجابت الفراشة التي أجهل اسمها.  وفي دقيقتين كانت المريضة تقادُ إلى العيادة رفقة ممرض مساعد أيضا.  كان الكل متأهّبا، رغم شحّ الوسائل..

طلبتُ من السيدة المساعِدة معرفة بعض معلومات عن المريضة، ثم الانتظار في الخارج، مع شكرها على ما تبذله من تجاوب. وفي قرار نفسي أمنية أن تظل بالقرب لتخفف عني عبء ما أشعر به من مسؤولية جسيمة، في غياب أبسط الحقوق الإنسانية هنا، مما يزيد من وطأة الغربة علي.. كم تمنيت أيضا أن تظل تتحدث وأنا أستمع. لأكتشف المزيد من أسرار هذه الأسر المنكوبة، التي تفتقد الأب والزوج والولد البالغ، لا أستطيع أن أصف معاناتهن دون أزواج،  مع أطفالهن الصغار..

حتى المسنين من الرجال في معزل عنهم. أما  القادرين على القتال، ففي المعتقلات أو مع أرواحهم عند الله.. فمثلا في حالة السيدة الحامل أو أي امرأة أخرى تنتظر كشفا طبيا، فلا بد من وجود امرأة طبيبة أو ممرضة لتقوم بذلك.. ولذا نعتمد على متطوعات من منظمات الإغاثة أو الوقاية المدنية للتعاون وسد بعض الخصاص.

وضعُ المرأة حالةُ ولادةٍ متقدمة، في الشهر السابع. تستوجب عملية قيصرية. جل الحوامل اللاتي ولدن في المخيم بنفس وضع هذه المرأة. ولادات متقدمة. نظرا  لحالاتهن النفسية المتردية. الحامل عادة، تحتاج دعما نفسيا قويا من زوجها وأهلها.

هؤلاء البئيسات يعانين نفسيا أكثر من غيرهن. وينعكس بؤسهن على المخيم ومن فيه. حتى علينا نحن. لأنهن منغلقات أكثر على أنفسهن. عكس هذه الشابة الدؤوب. بذكائها تستطيع إخفاء ألمها،  أكبر وقت ممكن، لتستعيده ليلا، لا محالة عندما تخلد إلى فراشها. قد يقفز  ما بصم بقوة انفعالها اليومي، ليمنع عنها النوم هنيهة. فجريها طول النهار من حي إلى آخر،  داخل المخيم،  متفقدة الطلبات والحاجيات، سوف يهزم الأرق العنيد فترضخ لنومة تستعصي  على النساء الأخريات.

وأنا بين هذا كله أجدني أتشبث بأي بصيص من أمل، يخرجني من عزلتي النفسية، لأتابع مشهدا ربما يكون عاديا، لو كنتُ في وضع غير هذا.. هنا الأشياء تعتبر شاذة خارجة عن المألوف إذا لم توافق العادات والأعراف. وقد تستدعي ما لا يحمد عقباه،  كالتصفية الجسدية مثلا. هذا المخيم يعتبر استثناء منحصر الزمان والمكان.. تحت حماية وتوصية  منظمات دولية راعية للسلام...


،جزء من رواية قادمة..

بعد توقف عن كتابتها دام أكثر من ثلاث سنوات.. فهل سيكتب لها المتابعة بحول الله؟ .


سعدية بلكارح 

المملكة المغربية .

Commentaires

التنقل السريع