القائمة الرئيسية

الصفحات

دراسة تاملية في قصيدة ( أطرق باب قلبها بكف مجوفة ) للشاعر : محمد زغلال محمد


 

كتب الناقد  / عبد الرحيم طالبة صقلي  


دراسة نقدية تأملية : 
في قصيدة [ أطرق باب قلبها بكف مجوفة  ] للشاعر : محمد زغلال محمد 
 

القصيدة تتجلى كرحلة وجودية مكتظة بالرموز والانزياحات التي لا تنفصل عن القلق الإنساني المعاصر ، حيث تتشابك اللغة مع العاطفة في نسيج شعري يتجاوز البوح الشخصي ليقارب أسئلة الكينونة والهوية والآخر. إن "الكف المجوفة" ليست سوى استعارة عن الذوات الحديثة، التي رغم امتدادها نحو الآخر، لا تحمل شيئًا سوى الفراغ، فالذات هنا لا تعطي بل تطلب، لا تملك بل تبحث، وهي في ذلك تجسيد حي للوعي المنهك، للذات الممزقة بين الرغبة واللاجدوى. كل محاولات الوصول إلى "قلبها" تمر عبر وسيط هش، محفوف بالشك والاحتمال، وكأن الحب في زمن الحداثة فقد طبيعته الكونية وتحول إلى محاولات فردية للنجاة في عالم محكوم بالتشظي. تتقمص الحبيبة وجه الزمان والمكان معًا، فهي "التي تنتعل الذاكرة"، أي تتلبسها، تعبث بها، وذاكرة الشاعر ذاتها "منخوسة"، مثقوبة، مما يعني أن الماضي لم يعد مرجعية صلبة يمكن الاحتماء بها، بل هو أيضًا مائع، متآكل، غير جدير بالثقة. ورمزية القهوة، بما تحمله من دلالات ثقافية، تتلوّن هنا بطعم "الهذيان"، فتتحول من فعل حميمي يومي إلى لحظة تيه ذهني، إلى انغماس في اللاوعي، كما لو أن الذات لم تعد قادرة على الإمساك بالواقع إلا من خلال الانفلات منه. الشاعر يبحث في "أشعارنا القديمة" عن أنثى لم تعد موجودة إلا كأثر جمالي، كتمثال من مرجان، وهذه الاستعارة تكشف أن العلاقة مع المرأة تحوّلت من شراكة وجدانية إلى بحث جمالي مجرد، عن رمز خالص، عن شكل بلا روح، مما يعكس افتقار العلاقات الحديثة للمعنى، حيث الجمال يُطارَد لكنه لا يُعاش. الزنابق، التي تنغرس في الأرض، ترمز للأنوثة التي التهمها الجذر، التي تماهت مع المكان إلى حد العجز عن الارتقاء، فصارت تُسقى من "ماء مكدس في أحشاء السيقان"، في إشارة إلى الاستهلاك العاطفي الداخلي، إلى التكرار الذي يخنق النبض. حتى الضوء في هذه القصيدة يصبح جرحًا من نحاس، والنزيف يتحول إلى إيقاع، والشاعر يبدو كمن يسير وراء جراحه لا أمامها، منقادًا لا فاعلًا، ومصيره أن يصل إلى باب لا يُفتح، إلى قلب "عطشان"، لكن هل هو عطش الآخر أم عطش الذات المنكسرة؟ الحبيبة تتحول إلى كائن مائع، تائه، أعشاب عائمة، بجعة تخفي حكمتها، كأنها تمثل المرأة الحداثية المتحررة من القوالب، لكنها في الوقت ذاته تُبقي المعرفة حبيسة خلف "اللسان"، أي أن الوصول إليها يظل مؤجلًا، ملغزًا، ولا يتحقق إلا كشعر. المرأة الأخيرة، المصنوعة من فخار، والمذابة في حميمية النار، هي أنثى خُلقت من التراب وعادت إلى دخان، في دورة وجودية تُحاكي عبثية الوجود، كما لو أن كل تجسد للأنثى محكوم بالذوبان، وكل علاقة محكوم عليها بالاحتراق. والخاتمة ليست مجرد نهاية نص بل نهاية سؤال: حين تناديه امرأة قائلة "يا حبيبي، هذه الأرض مجرد خطيئة"، فهي لا تعلن فقط سقوط العالم بل تعلن أنهما عالقان معًا في رحم هذه الخطيئة، لا خلاص ممكن، ولا فكاك من الجسد والذاكرة والمكان. القصيدة بكاملها إذاً تعيد طرح سؤال الكينونة ضمن أفق حداثي مملوء بالقلق، حيث الذات تكتب الحب وهي موقنة أنه مستحيل، وتبحث عن الآخر وهي تعلم أن الوصول وهم، لكنها مع ذلك تكتب، لأن اللغة وحدها ما تبقى، والشعر هو المأوى الأخير في عالم فقد كل يقين.

★ عبدالرحيم طالبة صقلي ★


كتب الناقد  / عبد الرحيم طالبة صقلي  في قصيدة : [ ماذا إن اخلفت وعدك للإله .. ؟ ] للشاعر : محمد زغلال محمد  . 


ورقة تأملية  :
 
نص يتسم بعمق فلسفي وروحي يعكس صراعا  بين الالتزام والإخفاق، وبين الرغبة في التماسك والانجراف نحو الذاتية المتمردة. يحمل  تناقضات شعورية تكاد تكون وجودية، حيث تنشغل الذات الشاعرة بالتفكير في عواقب الإخلاف بوعدٍ مقدس تجاه الإله، مما يعكس حالة من التأمل في مدى تأثير الانحراف عن الوعود على الوجود ذاته.
النص يعبر عن حالة وجودية تتغلغل في الصدر، وكأنها أنين عميق يترسخ في النفس. هذا الفراغ يشبه "النجوم الشاردة" التي تسقط في الفراغ، باحثة عن مغفرة، مما يعبر عن شعور بانهيار النجوم كرموز للآمال والأحلام الضائعة.
وما استحضار "مدبح القرابين" و"الصلاة الغامضة" كإشارة إلى الطقوس التي تسعى فيها النفس للخلاص، لكنها في نفس الوقت مليئة برغبات غامضة. ويُصور الحب كشيءٍ "همجي" رغم رزانه الظاهري، مما يُبرز التوتر بين الاستقرار والاندفاع الذاتي.
وفكرة الإخلاف بوعد مع الإله تجعل الذات "مُحرّثة" لرجل آخر بعث من "الكيمياء الضائع"، وكأنها تتحد مع التراب لتصبح جزءًا من دورة الحياة المتجددة. التصوير هنا يضفي بعدًا ماديًا لفكرة الانجراف والخيانة، ليمزج الجسد بالأرض والطين.
 وتصور الذات الشاعرة حالة من الالتصاق الذي يشبه الكواكب العالقة بين الحركة والسكون، مما يشير إلى صعوبة التحرر من قيود هذا الارتباط. كأن الذات عالقة في دوران لا ينتهي، وهذا المأزق الوجودي يمنع التجدد ويجعل الحياة تسربًا عبثيًا نحو المجهول. 
و في وصف العيون التي يعميها "الكحل"، يرسم الكاتب صورة متناقضة، حيث إن الكحل عادةً يبرز الجمال، لكنه هنا يعمي "لون الزعتر" ويجعل الشخصية تتهم "الظلمة" بالخيانة، كأنها تلوم الخارج على ما ينغرس في داخلها من صراعات.
 في الختام، يعبر النص عن انكسار أمام أنثى تملكت الوصية، ثم مضت كعابر سبيل. هذا الوداع المتألم والمغيب في عشق "مترف"، يُبرز بعمق إحساس العجز أمام المشاعر الغامرة التي تترك الأثر العميق دون توديع واضح.
النص يجسد رحلة في أعماق الروح، رحلة تتقلب بين الشك واليقين، بين التعلق والرغبة في التحرر، وبين الوعد والإخلاف. بحيث تمكنت الذات الشاعرة من نقل هذه الحالات الشعورية من خلال صور شعرية مكثفة وذات إيحاءات رمزية عميقة، مما يجعل النص مرآة لمواجهة قاسية مع الذات البشرية في أعمق تناقضاتها وقيودها.

★عبدالرحيم طالبة صقلي ★
المملكة المغربية .

Commentaires

التنقل السريع