القائمة الرئيسية

الصفحات

عنفوان متمردة / ديوان شعر


 

في ديوان "عنفوان متمردة" لمؤلفه الشاعر محمد زغلال محمد


العنوان وحده قصيدة .. يتيح أمام القارئ صورتين متوازيتين يصعب دمجهما في تصور واحد..

فتحفز هذه التوليفة ذهن المتلقّي لإشراكه في البناء والتصور الماقبلي على غرار الأدب  الحديث .. فالعنفوان مصطلح يفيد التوازن والسير على سكة مرسومة بحرص، فيه من الرصانة والأنفة والشموخ ما يجعل صاحبه واثقا من نفسه ومن اختياراته متميزا بشخصيته المتزنة نفسيا المستقرة ذهنيا وعاطفيا، مما يجعله أمام الآخرين واضح المعالم يعرف ما يريد. أما المتمرد فهو سريع الانتقال والتغيير والانفعال حسب الحالة التي يتبناها أو يدافع عنها والحالة عادة تكون خارج المتعارف عليه اجتماعيا أو سياسيا أو دينيا.. في إطار ضمان حق طرفٍ مستضعَف أو الدفاع عنه إذا كان هذا الطرف مقيدا من غير وجه حق..  أو يكون أحيانا التمرد مجرد حب لقلب الموازين خارج إطار التبعية تحت حق الحرية في التجريب والتجديد وهذا ما أحدثه الشعراء المعاصرون، بداية من مي زيادة والسياب إلى غيرهما، بالخروج عن هالة الخليلي إلى شعر التفعيلة والشعر الحر في أوائل القرن المنصرم.  والمتمردة في الديوان الذي بين أيدينا هي الأنثى المزاجية التي يصعب مراسها إن صح اللفظ أو الوصول إلى إقناعها بشيء والثبات عليه دون إرادة أواقتناع مطلق منها. و قد يريد بها الشاعر "القصيدة" التي يحاول تكييفها مع الراهن من الكتابة الشعرية المتمردة على القوالب والأنساق.. والقصيدة عند محمد زغلال رغم تفلتها من عقال الكلاسيكي فهي تحوم حوله كما في هذا الديوان المميز،  ليبرهن أن الشاعر العربي مهما تمردت قصيدته فهي تحن إلى جذورها.. والعنوان يضعنا أمام تحد جميل حيث  يحاول الشاعر بحكامته وضع القارئ أمام تصورات كثيرة ودهشة تفتح آفاق التخييل والمتعة.

الديوان يتكون من سبعة عشر عنوانا .. كل عنوان يتضمن مجموعة من قصائد قصيرة اختيرت تيماتها بعناية من الشاعر حيث تكون الأنثى هي حلقة الوصل بين معظمها.. 

 استهل الديوان بهمومه الاجتماعية وما ترسب بداخله من مشاهد مؤثرة.. و ركز على الطفولة المغتصبة مثل "قصيدة كلاب ضالة" حيث حملنا الشاعر في إطلالة عميقة على إنسانيته وشدنا إلى قضية اجتماعية خطيرة يتم فيها استغلال الطفولة لأهواء مرضية شاذة، ربما هنا أراد الشاعر لفت انتباه المتلقي إلى الظواهر الغريبة "البيدوفيليا" التي تفشت وحشيتها في مجتمعاتنا، لمحاربتها بيقظة وحرص، ضمانا لحقوق الطفل وأمنه وسلامته ومن تم أمن وسلامة المجتمع قاطبة.. ثم عالج الشاعر مَواطن أخرى في قصائده بثها أوجاعه و لواعجه.. دون الوقوع في النمطية والاجترار اللذين يثقلان كاهل القصائد ويملآنها حشوا يضرها ولا يخدمها..  و هذه تحسب لذكاء الشاعر ودربته الإبداعية..  فالشاعر استطاع  رسم مساحات مجازية شاسعة بَسَطها أمام  أعيننا لنسرح معه في خيالاته الجميلة.. وكيف ينتقل الشاعر بنا من وجع عام إلى آخر مركون في زوايا القلب.. للمرأة التي تربعت على عرشه رغم الجفاء والدلال اللذين ولّدا لدى الذات الشاعرة انكسارات وتأوهات طالت معظم القصائد بتذمرها تارة، وتارة بحبها لهذا الوجع المنفلت من عقال القلب العاشق.. إنه الحب يا سادة، حين يغزو الروح كما وصفه الشاعر في إحدى قصائده بالأعمى، وأضافَ إليه التجني أيضا من خلال مضمرات الجمل الشعرية.. 

والحب منذ بداية الخلق بين آدم و حواء، بني على السكينة والمودة كنواة أولى لاستمرار الحياة وإعمار الأرض.. إلا أن شاعرنا ما وجد ضالته كما يأمل ويتمنى.. فظل يئن تارة شاكيا وتارة متمردا بالتذاذ على هذا الحب الذي قضّ مضجعه وسلب راحته.. وتارة أخرى منتصرا لقلبه بتصوراته التي تمكنه مما يطمح إليه..  و منتصرا أيضا للقصيدة الحديثة في أبهى تجلياتها ليصنَّف ديوان عنفوان متمردة لصاحبه الأستاذ محمد زغلال ضمن قصيدة النثر أو القصيدة المتمردة أو قصيدة الشعر الحر أو أنى يكون مسماها فهي المستقطِبة لاهتمام القارئ المعاصر الذي يُخضع ميوله الأدبي، لإكراهات الوقت و السرعة.. بديباجة جديدة متنوعة ولغة سلسة تباشر المشاعر وتلمسها..


سعدية بلگارح 

أديبة من المغرب

... 

Comments

التنقل السريع