القائمة الرئيسية

الصفحات

دراسة تحليلية في ديوان ،، لحظات معراج ،،



 تقديم 


،كيف تقاتل خديجة بوعلي صعاليك الشعر .؟  


في الذاكرة ،، في القلب ،، يرقد صمت قاتل بين كف الشاعرة وقلبها . تحاول أن تسمع صوتها للقنابل المحشوة بألم الغياب كي يتوقف عن نقر الصخب الصادر عن الأكباد المحروقة . 

في حياتنا ، كما في حدائق الشعر قوافل تمر دون عتاب ، وتجدد سيرها بسخاء وهي تعبث بحواشي المؤلفات التي خلفها المقتولون بسيوف صعاليك الشعر . 

في الديوان ،، في لحظة من لحظات المعراج قصائد تلثم رصاصة الحرف قبل أن تخترق صدور أشخاص لا يملكون من ذواتهم إلا الظلال . 

أن تكون شاعرا ،، يعني أن تلعب لعبة النبلاء وأنت تتسكع بٱستمرار بين المرايا الحسية كي تستفيق على صوت أشخاص ألفنا أنينهم  وهم يحدثون بعض الرواة عن انتصارات ممعنة في الكذب . 

أذكر ،، وأذكر ،،فيالق من الشعراء قادهم الذوق الجمالي إلى هذا المعراج ليكسروا صمت الجبال الشاهقة ، يهربون من الصورة العبثية للشعر إلى سيدة تسلقت مسارب الشهرة في صمت كي تجلد صبر الرجال الذين يبكون زمن العذرية في هدوء ،، شاعرة سعت إلى تنظيف رقعة الشعر من عدوانية العواطف المنحرفة ،، شاعرة كتبت بقوة وحكمة كي تعلن فشل كل النظريات المجحفة في  حق الأنثى . 



دلالة العنوان  -- 2 ---


إن الاستعصاء الحاصل على مستوى  فهم العلاقة اللفظية في ديوان ** لحظات معراج ** للشاعرة خديجة بوعلي له ما يبرره ، ما دامت الغاية هي البحث عن سبل التوافق اللفظي ، كنشاط بلاغي يروم تشكيل قاعدة تحليلية متماهية مع موضوعات النقد الحديث . فٱنعدام التوافق في بنية العنوان لا يحتاج إلى أسئلة تسعى إلى الالتفاف على  أجوبة مغمورة لأن لفظ -- لحظات -- عاجز من حيث الدلالة وغير قادر على خلق حركة دينامية تشكل لنا مستويات متوازية من الصور المضيئة للجوانب المظلمة في الذاكرة . - لكنه قد يفلح في تذكيرنا ببعض المواقف - . 

بينما نجد لفظ ** معراج ** منفتحا على مستويات متعددة من التراكيب العميقة في النفس تسمح لنا بتعديل بعض الضوابط الراسخة في أفكارنا ، لأنه مبني على حركة ذاتية الاشتغال التي تجعل المعاني تتوالد وتتدفق تلقائيا متمردة بذلك عن رقابة الذاكرة . أمام هذا الكم الهائل من الانفلاتات الغير منضبطة والتي تستحود على مداركنا  نحاول الاستئناس ببعض المفاهيم التي تحدد طبيعة المعارف الملخصة للمفهوم الشامل لقصة ( الإسراء والمعراج ) . 



الثابت والمتحول في تجربة الشاعرة -- 3 --


لا أدري إن كان بإمكاننا اعتبار العنوان ثنائية ضدية متنافرة أم هناك توافق ضمني مستفز لوعي القارئ ، مرتبط دلاليا بالغاية من الكتابة لأن ( الغرض ) هو المحرك الملازم لعملية الإبداع بهدف بناء هياكل نصية قوية ، ومختصرة لبعض الوظائف  الجمالية . 

فلفظ ** المعراج ** من حيث التركيب الدلالي حاضر بقوة لإثبات مشروعية فعل حادث -- بالفطرة -- معتمد على يقينية الإثبات ، إما ب ( النفي ) فينتج عنه تناقض المعارف ، وتنافر الشواهد التي استعصى عليها احتواء التآلف المزعوم بين المكون النفسي والمكون البلاغي .  وإما ب (الإثبات ) الذي يصاغ من الإشارات الجوهرية الحاضرة في الشرع والتي يتعذر تحويلها إلى فرضيات منطقية قادرة على تحرير العقل من الاستعارات ذات الكثافة الميتة ،لأن اللغة مرتبطة بالتعبير ، والمعتقد مرتبط بالإيمان . 

____________________________________________

بنية العنوان   ##  لحظات  ##  معراج  ##

____________________________________________ 

الصفة  الدلالية  ## لغة  ## وحي. ## 

____________________________________________

## الوظيفة الدلالية ##   تعبير. ## ايمان ## 

_____________________________________________

## الحوافز الدلالية ## صفاء الذهن  ## صفاء الروح ##

_____________________________________________

ما يمكن استخلاصه من هذا الجدول : هو كون الديوان 

 عبارة عن مجموعة من اللحظات المتباينة المرتبطة كليا بسلوك المبدع . والتي يتم إفراغها في قوالب نصية مصححة لانتمائنا الأدبي . فالشاعرة تعمل على فحص القيم الإنسانية في لحظة يتسم فيها الذهن بالصفاء حتى تبسط أمامنا المواقف الصادقة المعبر عنها بتركيبات لغوية ذات طابع أخلاقي . هدف الشاعرة إرضاء النفس ، وإغناء التجربة الإنسانية بمشاريع فكرية متباينة باختلاف العناوين والمواقف . وإن كان ** المعراج ** ذا طبيعة صواتية مغايرة ل ( لحظات ) ، فإن حمولته الدينية تجعل منه رسالة للسمو والارتقاء عن طريق الإيمان الصادق المثبت لحكم شريعة تسعى إلى تجديد قناعاتنا انطلاقا من قواعد إخبارية غيبية قادرة على تبديل الأولويات الكونية السائدة والمحتكرة للذاكرة  ، تحت سيادة مفهوم الجائز والمحرم . ولن يتاتى هذا إلا من خلال علاقة كونية تجمع الروح بالذات مستندة إلى وظيفة أخلاقية تسمى الصفاء الروحي . 



تمرد الشاعرة على قدسية الارتقاء  -- 4 --


 حري بنا عدم إخضاع معطيات العنوان الاستعمالات مبالغ فيها لأن هذا السلوك سيوصلنا إلى نتائج غير قابلة  للفهم والتصديق وبذلك نكون قد مارسنا عنفا تحليليا من حيث لا ندري  وأفحمنا النص الواحد بشحنة من المعارف الخاطئة التي تسيء إلى الوظيفة التنظيمية للبنيات اللغوية . فما العنوان إلا رسالة رقيقة تشرعن  أحقية المرء في السمو والارتقاء دون الحاجة إلى موجه حاذق يفصل بين تنبؤاتنا وأحلامنا . لأن طبيعة الأفكار المجردة المستبصرة للفضيلة لا تحتاج إلى براهين كي تعبر عن صدق وجودها . ولن تربكنا أبدا دلالة العنوان ما دامت لنا القدرة على التمرد لاستخلاص الصفات المسكوت عنها في القيم والشعر . خاصة أن المرتقي هنا هو الشاعرة أي الذات المتحدثة عن السمو والارتقاء من خلال أوصافه  .صفاء الذهن ، وصفاء الروح . 



سيكولوجية التلقي في شعر خديجة بوعلي  -- 5 --


إذا كانت الشاعرة  خديجة بوعلي تملك القدرة على التحكم في جودة نصوصها فإنها تستعين في ذلك ، بما تسمح به اللغة من تجاوزات عن طريق المجاز كي لا تسقط في الابتذال ويضيع الانسجام الحاصل في المعنى عن طريق التركيب ، وفي الإيقاع عن طريق الإصغاء لسياق الملفوظ . معتمدة على سعة مدى منظومتها اللغوية .

لم تعتمد الشاعرة في تجربتها على الصور الجزئية التي تجعل من النص انعكاسا ذاتيا صرفا ، وإنما استعملت بعض الصيغ الحسية من خلال أفكار مجردة أثرت في نفس المتلقي وزعزعت  في ذاكرته الالتباس الحاصل في .. الشاهد .. والذي لا يرقى إلى اليقين الذي يتوخاه المتلقي من النص   ولن تكتمل هذه الصورة الفنية إلا بالاتفاق مع شريكين لا غنى عنهما  .

- الأول  : يشاركها التدرج في سلسلة الارتقاء ويساعدها على الصمود   كلما افتقرت  تركبة ما  في نصوصها للتوافق. فلا بد من مخاطب يتمثل في ضمير ( أنت )  .

- الثاني : يشاطرها تبني ما تعجز عنه بمفردها إن أرادت إنجاح التجربة وإتقان صناعة النظم ، ويتمثل في المتلقي . 

لأن طبيعة الواقع البلاغي والأخلاقي والموضوعي  يقر بٱستحالة وجود  (أنا )  دون ( أنت ) كظاهرة بشرية ونحوية  .

 ويقتصر دور المتلقي في اكتشاف الحقائق المستولية  على الديوان من خلال عنوان يقودنا إلى الارتقاء  ليبقى السؤال المشروع في عقيدة المتلقي . من المرتقى  اليه , هذا الغائب الذي تنزله  الشاعرة في النص منزلة اليقين الخارج من العدم ؟ من الذي تبقى أعراض وجوده حاضرة باستمرار في سيكولوجية المرأة ؟  إنه الحب بمختلف أصنافه وتجلياته والذي استحوذ على صياغة نصوصها في لحظات معراج .


محمد زغلال محمد .

المملكة 

Commentaires

التنقل السريع